كيف تواجه مصر التحديات الاقتصادية العالمية؟

في حديث مع الدكتور أحمد جمعة عبد الغني حسن أستاذ الاقتصاد ومستشار جامعة الزقازيق للسياسات والشئون الاقتصادية عن أبرز المخاطر الاقتصادية العالمية توقع حدوث تراجع حاد وواسع النطاق للنمو الاقتصادي العالمي خلال عام 2023 ليصل إلى نسبة تتراوح من 1.7% إلي 2.9% بما يمثل أشد تباطؤ للاقتصاد العالمي منذ سبعينات القرن الماضي، وهنا ينبغي على واضعي السياسات ضرورة العمل على توفير حيز مالي مرن لتمكين الاقتصاد المصري من مواجهة تبعات أي أزمات استثنائية حيث ان الحيز المالي المتاح حاليا يتسم بالجمود والضيق وبالتالي مع ارتفاع احتمالات التعرض لأي خطر لن تستطيع الدولة القيام بالدور الذي تحد به من المخاطر التي سيتعرض لها الاقتصاد، والمواطنين.

 

وأشار إلى أنه بالنظر إلى هيكل الموازنة نجد أنه يتسم بالجمود حيث تسيطر بنود مدفوعات الفوائد، والأجور وتعويضات العاملين، والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية نحو 70% من إجمالي الإنفاق العام بمشروع موازنة عام 2022/2023 مما يؤدي إلى ضيق الحيز المالي المتاح لدعم النمو الاقتصادي والتشغيل، و تقدر مدفوعات الفوائد بمفردها بنحو 690 مليار جنيه 7.6% من الناتج المحلي الاجمالي، بالإضافة إلى ارتفاع إجمالي قيمة الدين الخارجي خلال العام املالي 2021/2022 ليبلغ نحو 155.7 مليار دولار بمعدل ارتفاع بلغ نحو 13 % مقارنة بالعام المالي السابق.

 

 

وأكد على أنه من الحتمي في الوقت الحالي أن نوضح بأن التمويل الخارجي بصوره المختلفة، دينا كان أم استثمارا أجنبيا، يكون مُعززا للتنمية الاقتصادية إذا ساهم فقط في تطوير القدرات الإنتاجية والتكنولوجية والتصديرية للاقتصاد المصري، فكل نقد أجنبي يتدفق محليا يجب توظيفه بشكل يساعد في توليد مزيد من هذا النقد، وإلا وقعنا أسرى لدوامة الديون، ولن يحدث ذلك بطبيعة الأمور بدون توظيف النقد الأجنبي ــ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ــ لخدمة أنشطة التصدير.

 

 

ولفت إلى أنه في حين تشجيع الاستثمارات الأجنبية على التدفق، يجب أن نحفزها لتتوطن في القطاعات التصديرية، وحتى إذا توسعنا في أنشطة التعليم والتدريب ببعض من مصادر التمويل الأجنبي، يتعين أن نستهدف من وراء ذلك تصديرا «مؤقتا» لعمالتنا الوطنية الماهرة.

 

ويرى أن الرؤية التنموية هي أن كل تمويل أجنبي لا يُنمى أو يُوسع قدرات التصدير، تكون تكاليفه باهظة على الحاضر والمستقبل!، ومع ارتفاع مخاطر الديون السيادية بات اتخاذ نهج تعاوني عالمي ضرورة حتمية للتوصل الي تسوية منظمة لمشكلات الديون دون التوقف عن سدادها. ولذلك يجب دائما تقييم اداء الاستراتيجية التي تدار بها الدين العام في مصر مع الأخذ في الاعتبار أهداف تلك الإستراتيجية المتمثلة في تلبية التمويل المحلي بأقل تكلفة ممكنة في المدى المتوسط والطويل، الإبقاء على درجة مخاطرة أمنه أو تتسم بالاتزان في محفظة الدين العام. وهو ما يتطلب اجراءات إصلاحية في البنية التشريعية التي ترتكز قي مصر على قانون الموازنة العامة للدولة الذي يجب أن يحدد سقف للاستدانة عند تحديد مقدار الاقتراض السنوي – بجانب مراعاة مخاطر السوق المتمثلة في ( العملة – سعر الفائدة – نسبة الدين بالعملة الأجنبية مقابل الدين المحلي – نوع العملات المكونة للدين ذاته).

 

وتابع: أنه لا شك أن التنمية الاقتصادية التي تسعى الدولة المصرية تحقيقها تحتاج بجانب التمويل المحلي أيضا التمويل الخارجي وذلك لدعم القطاعات الاقتصادية والتنمية المستدامة والإصلاح الهيكلي المنشود فاذا كان خيار تمويل التنمية هو الاعتماد علي التمويل الخارجي بجانب التمويل المحلي فيجب إعادة النظر في هندسة الديون الخارجية، حيث يحتاج قرار اختيار ديون دولية خارجية ضرورة بناء كيان منظومي متكامل يتسق ويربط بين المتغيرات والثوابت في جانبي طالب الديون ومانح الديون وتوفير تدفقات معلوماتية رقمية لدعم عملية الاقتراض والاستثمار الأمثل وفقا لخطة التنمية والاولويات والحسابات القومية وجداول مدخلات ومخرجات الدولة المقترضة.

 

وأوضح أنه ليس كل الدين سيئاً، فالاقتراض يمكنه بالفعل تمويل الاستثمارات الحيوية وفقًا لعدة محددات توضح مدى حاجة مصر للاقتراض من الخارج وهي أن هذه القروض تستخدم في تمويل مشروعات تتطلبها عملية التنمية الاقتصادية، والتي يتعين أن تتم دفعة واحدة مع عمل دراسات جدوى للمشروعات التي سوف تستخدم تلك القروض في تمويلها والتأكد أن التدفقات المستقبلية للمشروع تغطى أصل القرض وفوائده. عندما يتم ذلك بشكل سليم يتحقق دخل أعلى يمكن أن يعوض تكلفة خدمة الدين. وتنشأ المشكلات حين يكون الدين مرتفعاً بالفعل والموارد المستمدة من القروض الجديدة لا تُنفَق وفقا للمحددات السابق الإشارة اليها.

 

 

وأشار إلى أن مصر تحتاج إلى استثمارات بقيمة 100 مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة؛ لسد الفجوة الدولارية البالغة 30 مليار دولار، والمقصود بالفجوة الدولارية، هو الفارق بين الموارد الدولارية التي تحصل عليها الدولة من المصادر المختلفة كل عام مثل التصدير أو السياحة أو الاستثمارات الأجنبية أو التحويلات الخارجية، والمبالغ الدولارية المطلوبة منها لسداد التزاماتها مثل الديون الخارجية أو الاستيراد. والحقيقة إن علاقة الدولار بمنظومة الأسعار فى مصر هى علاقة معقدة وفى حاجة لتحرير، ذلك أن الدولار يؤثر فى الأسعار المحلية من ثلاث قنوات رئيسية؛ الأولى هى «قناة الاستيراد»، والثانية هى «قناة الإنتاج»، والثالثة هى «قناة التحفيز»، وعبر هذه القنوات، عندما يرتفع سعر الدولار أمام الجنيه، سترتفع، وبطريقة مباشرة وبنسبة أكبر، قيمة المنتجات المستوردة وقيمة المنتجات المحلية ذات المكوّنات المستوردة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ ستتحفز ــ لعوامل متعددة ــ أسعار المنتجات المحلية الخالصة، ثم تأخذ الاتجاه الصعودى.

 

 

وأردف أنه من المنطقي إذن القول بأنه كلما انتشرت المنتجات المستوردة والمنتجات المحلية ذات المكونات المستوردة فى أى سوق، كلما كان للدولار مفعول قوى على هيكل الأسعار فيه. وهذا هو الوضع فى الأسواق المصرية. إلى جانب يتعرض الاقتصاد المصري للتضخم المستورد حيث مازلنا نعتمد على الاستيراد لتلبية احتياجاتنا المحلية فنحن نستور بفاتورة استيراد تقترب من 90 مليار دولار بينما نصدر في أفضل الأحوال بنحو 45 مليار دولار والتضخم المستورد ينشأ بسبب اعتماد الدولة على السلع والخدمات المستوردة من الخارج ومن ثم، فإنه كلما زادت أهمية السلع المستوردة ومكانتها، زادت في المقابل الضغوط التضخمية المستوردة من العالم الخارجي؛ ولهذا السبب تحديدا، فإن الدول المنكشفة تجارياً هي نفسها أكثر دول العالم معاناة من هذا النوع من التضخم. والانكشاف التجاري يقصد به النمو المستمر في الواردات دون أن يقابله أو يكافئه نموٌ في الصادرات، وعندما تزداد الضغوط التضخمية المستوردة في الاقتصاد المحلي، فلا تقتصر آثارها على ارتفاع مستمر ومتواصل في المستوى العام للأسعار المحلية فحسب، بل إنها تترك تداعيات اقتصادية واجتماعية عديدة؛ ومن التداعيات الاقتصادية السلبية للتضخم المستورد أن تضعف القدرات التصديرية للاقتصاد المصاب بها كنتيجة منطقية لارتفاع نسبة المكونات المستوردة في هيكل صادراتها للعالم.

 

وأكد على ضرورة التركيز على تخفيض الاستهلاك وتعزيز الإنتاج وتوليد استثمارات إضافية وتحسين الإنتاجية الي جانب الاهتمام بقطاعات التصدير والإنتاج في خفض أعباء الدين والتضخم وتحقيق نمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي.

أشترك في النشرة البريدية

نقدمها لكم يوميًا من الأحد إلي الخميس في تمام الساعة التاسعة صباحاً.